بين سلبيات الداخل وإيجابيات الخارج!

عاجل

الفئة

shadow
*بقلم الخبير الإقتصادي والمالي أحمد بهجة- جريدة البناء*

رغم كلّ الإيجابيات الحاصلة حولنا، ليس هناك في الداخل اللبناني حتى الآن أيّ مؤشر إيجابي على إمكانية حلحلة هذا الاستعصاء السياسي الذي ينعكس بسلبياته الكثيرة على الحياة اليومية للبنانيين، وعلى كلّ القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية... بدءاً من استعصاء انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة الانتظام إلى عمل مؤسسات الدولة وصولاً إلى عدم معالجة الأزمات المتراكمة والمعقدة والتي تزداد تعقيداً بشكل غير مسبوق وغير محتمل. 
وبما أنّ الأمور في الداخل مقفلة، فإنّ اللبنانيين يأمَلون بأن تنعكس عليهم الإيجابيات الحاصلة في المنطقة سواء لجهة الاتفاق السعودي ـ الإيراني الذي تمّ الإعلان عنه من بكين في 10 آذار الماضي، والذي بدأت مفاعيله تُترجم على أرض الواقع، أو لجهة الانفتاح الخليجي والسعودي تحديداً على سورية التي عادوا إليها بعد قطيعة استمرّت أكثر من عشر سنوات، ليكون رئيسها الدكتور بشار الأسد نجم القمة العربية المقرّر انعقادها في العاصمة السعودية الرياض في 19 أيار المقبل.
لكن هذا الانعكاس الإيجابي المنتظر على لبنان لن يتحقق إلا إذا وضعت القوى اللبنانية المختلفة بعض الماء في كؤوسها وخفّفت قليلاً من فائض الحدةّ في مواقفها، لأنّ السياسات الشعبوية في غالب الأحيان لا توصل أصحابها إلى مبتغاهم، خاصة إذا كانت تلك المواقف تسهم في انسداد الأفق أكثر فأكثر، وبالتالي أيّ فوائد تُرتجى من المواقف الحادة إذا عمّ الخراب وسادت الفوضى؟
إذن... حتى نستطيع الاستفادة في الداخل اللبناني من المناخات الإيجابية المحيطة بنا، لا بدّ من إيجاد المناخ الداخلي الملائم، وهذا يقتضي من القوى السياسية التي لا تزال تعتمد المواقف التصعيدية أن تخفف منها بعض الشيء، على الأقلّ من أجل مصلحة مؤيّديها، وهؤلاء بالتأكيد مثلهم مثل كلّ المواطنين تكويهم الأسعار المرتفعة ويعانون من كلّ الأزمات الراهنة وهي كثيرة لا تعدّ ولا تحصى.
اللبنانيون جميعاً اليوم في موسم أعياد بكلّ فئاتهم وطوائفهم ومذاهبهم، وما على المسؤولين والسياسيين سوى الالتفات إلى الناس والوقوف على حقيقة الأوضاع المعيشية الضاغطة على الغالبية الكبرى من الشعب، وإذا استطاعت العائلات تأمين قوت أطفالها فإنّها ستعجز بالتأكيد عن تأمين التدفئة والطبابة والاستشفاء والدواء والتعليم والمواصلات، لأنّ المداخيل باتت معدومة نتيجة تدهور العملة الوطنية بسبب سياسات خاطئة تحدّثنا عنها كثيراً في مقالات سابقة، وأطلقنا الدعوات المتكرّرة لمحاسبة ومساءلة مَن كانوا مسؤولين عن تلك السياسات التي أفقرت البلد وناسه واقتصاده.
وإذا كان من المهمّ عدم السماح لأحد بالإفلات من العقاب، فإنّ المهمّ أيضاً وبالدرجة نفسها أن نبدأ بخطوات الإنقاذ لأنّ الوضع المتأزّم وصل إلى حدود غير ممكن احتمالها ومن المُلحّ جداً أن ينطلق على الفور مسار تنفيذ الخطط الإصلاحية الجاهزة، لا سيما خطة التعافي التي أقرّتها حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب في آخر نيسان 2020.
ولكن، مع الأسف الشديد أضعنا على أنفسنا ثلاث سنوات في المماحكات، فيما كان مهرّبو الأموال والمتلاعبون بالعملة يرتكبون جرائمهم في السوق السوداء حتى انعدمت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، بينما كانت خطة التعافي قد حدّدت سعر صرف الدولار بـ أربعة آلاف ليرة...
لم يعُد مسموحاً اليوم إضاعة الوقت، ولبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطه، وما يحصل حولنا في الإقليم سيصل إلينا عاجلاً أم آجلاً، وسيرى الجميع كيف أنّ الحلول سوف تتدحرج من ملفّ إلى آخر، ولكن في المقابل علينا نحن أن نلاقي هذه الحلول ونترجمها في بلدنا الصغير الذي لا يحتاج إلى الكثير حتى ينهض من جديد... فهل نفعل ما هو في مصلحتنا ومصلحة بلدنا وأجيالنا الطالعة؟

الناشر

1bolbol 2bolbol
1bolbol 2bolbol

shadow

أخبار ذات صلة